فصل: تفسير الآية رقم (52):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {يُؤْمِنُونَ} فيه وجهانِ:
أحدُهُمَا: انه حَالٌ إمَّا من: {الذين} وإمَّا مِنْ واوِ {أوتوا}، و{بالجبت} مُتعلِّقٌ به، و{يقولون} عطفٌ عليه، و{الذين} مُتعلِّقٌ بـ {يقولون}، واللامُ؛ إمَّا للتبيلغِ، وإمَّا لِلْعِلةِ؛ كنظائرها، و{هؤلاء أهدى} مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ في محل نَصْبٍ بالقول و{سبيلًا} تَميِيزٌ.
والثَّانِي: أنَّ {يؤمنون} مُسْتأنَفٌ، وكأنَّه تعجَّبَ مِنْ حَالِهم؛ إذْ كَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ أوتِيَ نَصيبًا من الكتاب؛ إلاَّ يَفْعَلَ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ، فَيكُونُ جوابًا لِسُؤالٍ مُقَدَّرٍ؛ كأنَّهُ قيلَ: إلاَ تَعْجَبُ مِنْ حَالِ الذِين أوتُوا نَصِيبًا من الكتاب؟ فقيل: وما حالُهم؟ فقالَ: يؤمِنُون [ويقولونَ، وهذان] منافيان لحالهم.
والجِبْتُ: حَكَى القَفّالُ، وغيرهُ، عَن بَعْضِ أهلِ اللُّغَةِ: وهو الجِبْسُ، بِالسِّينِ المُهْمَلَةِ، أُبدلتْ تاءً، كالنَّات، والأكْيَاتِ، وست؛ في النَّاسِ، والأكياسِ، وسدس، قال [الرجز المشطور].
شِرَارَ النَّاتِ لَيْسُوا بِأجْوَادٍ ولاَ أكْيَاتِ

والجبس: هو الذي لا خير عنده.
يُقالُ رَجِلٌ جِبس، وجِبتٌ، أيْ: رَذْلٌ، قِيلَ: وإنما ادَّعَى قلبَ السِّين تاءً؛ لأنَّ مَادَةَ (ج ب ت) مُهْمَلَةٌ. قَالَ قُطْرُبٌ: وغيرهُ يَجْعَلُها مَادَّةً مُسْتَقِلَّةً، وقِيل: الجِبْتُ: السّضاحِرُ بلُغَةِ الحَبَشَةِ، والطَّاغُوتُ: الكَاهِنُ، قالهث سعيدُ بنُ جُبَيْر، وأبُو العَالِيَةِ، وقال عِكْرمَةُ: هما صَنَمانِ، وقال أبُو عُبَيْدَةَ: هُما كُلُّ مَعْبُودٍ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ.
وقال عُمَر: الجِبْتُ: السِّحْرُ، والطاغُوتُ: الشَّيْطَانُ؛ وهو قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، ومُجاهِدٍ، وقال مُحمدُ بنُ سيرينَ، ومَكْحُولٌ: الجِبْتُ: الكاهنُ، والطَّاغُوتُ: السَّاحِرُ، ورُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ: الجِبْتُ:- بلسانِ الحبَشَةِ-: شَيْطَانٌ، وقال الضَّحَّاكُ: الجبتُ: حُيَيُّ بنُ أخْطب، والطَّاغُوتُ: كَعْبُ بنُ الأشْرَف، وقِيل: الجبتُ كُلُّ مَا حَرَّمَ اللهُ، والطاغوتُ: كُلُّ ما يُطْغي الإنْسانَ.
ورَوى قَبيصةُ: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: العِيَافَةُ: والطَّرْقُ، والطِّيرةُ: مِنَ الجِبْتِ.
الطَّرْقُ: الزَّجْرُ، والعِيَافَة: الحط. اهـ.

.تفسير الآية رقم (52):

قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أنتج ذلك خزيهم قال: {أولئك} أي البعداء عن الحضرات الربانية {الذين لعنهم الله} أي طردهم بجميع ما له من صفات الكمال طردًا هم جديرون بأن يختصوا به.
ولما كان قصدهم بهذا القول مناصرة المشركين لهم وكان التقدير: فنالوا بذلك اللعن الذل والصغار، عطف عليه قوله: {ومن يلعن الله} أي الملك الذي له الأمر كله منهم ومن غيرهم {فلن تجد له نصيرًا} أي في وقت من الأوقات أصلًا، وكرر التعبير بالاسم الأعظم لأن المقام يقتضيه إشعارًا لتناهي الكفر الذي هو أعظم المعاصي بتناهي الغضب. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

بين أن عليهم اللعن من الله وهو الخذلان والإبعاد، وهو ضد ما للمؤمنين من القربة والزلفى؛ وأخبر بعده بأن من يلعنه الله فلا ناصر له، كما قال: {مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُواْ أُخِذُواْ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلًا} [الأحزاب: 61] فهذا اللعن حاضر، وما في الآخرة أعظم، وهو يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله، وفيه وعد للرسول صلى الله عليه وسلم بالنصرة وللمؤمنين بالتقوية، بالضد على الضد، كما قال في الآيات المتقدمة: {وكفى بالله وَلِيًّا وكفى بالله نَصِيرًا} [النساء: 45].
واعلم أن القوم إنما استحقوا هذا اللعن الشديد لأن الذي ذكروه من تفضيل عبدة الأوثان على الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم يجري مجرى المكابرة، فمن يعبد غير الله كيف يكون أفضل حالا ممن لا يرضى بمعبود غير الله! ومن كان دينه الاقبال بالكلية على خدمة الخالق والاعراض عن الدنيا والاقبال على الآخرة، كيف يكون أقل حالا ممن كان بالضد في كل هذه الأحوال، والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عطية:

و{لعنهم} معناه: أبعدهم من خيره ومقتهم، ومن يفعل الله ذلك به ويخذله فلا ناصر له من المخلوقين، وإن نصرته طائفة، فنصرتها كلا نصرة، إذ لا تغني عنه شيئًا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{أولئك} إشارةٌ إلى القائلين، وما فيه من معنى البُعْد مع قربهم في الذكر للإشعار ببُعد منزلتِهم في الضلال، وهو مبتدأٌ خبرُه قولُه تعالى: {الذين لَعَنَهُمُ الله} أي أبعدهم عن رحمته وطردهم، والجملةُ مستأنفةٌ لبيان حالِهم وإظهارِ مصيرِهم ومآلِهم {وَمَن يَلْعَنِ الله} أي يُبعده عن رحمته {فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} يدفع عنه العذابَ دنيويًا كان أو أخرويًا لا بشفاعة ولا بغيرها، وفيه تنصيصٌ على حِرمانهم مما طلبوا من قريش، وفي كلمة لن وتوجيهِ الخطابِ إلى كل أحد ممن يتسنى له الخطابُ وتوحيدِ النصيرِ مُنكّرًا والتعبيرِ عن عدمه بعدم الوُجدانِ المُنْبئ عن سبق الطلبِ مُسندًا إلى المخاطبَ العامِّ من الدِلالة على حِرمانهم الأبديِّ بالكلية ما لا يخفى. اهـ.

.قال الألوسي:

{أولئك} القائلون المبعدون في الضلالة {الذين لَعَنَهُمُ الله} أي أبعدهم عن رحمته وطردهم، واسم الإشارة مبتدأ والموصول خبره، والجملة مستأنفة لبيان حالهم وإظهار مآلهم {وَمَن يَلْعَنِ} أي يبعده {الله} من رحمته {فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} أي ناصرًا يمنع عنه العذاب دنيويًا كان أو أخرويًا بشفاعة أو بغيرها، وفيه بيان لحرمانهم ثمرة استنصارهم بمشركي قريش وإيماء إلى وعد المؤمنين بأنهم المنصورون حيث كانوا بضد هؤلاء فهم الذين قربهم الله تعالى ومن يقربه الله تعالى فلن تجد له خاذلًا.
وفي الإتيان بكلمة لن وتوجيه الخطاب إلى كل واحد يصلح له وتوحيد النصير منكرًا والتعبير عن عدمه بعدم الوجدان المؤذن بسبق الطلب مسندًا إلى المخاطب العام من الدلالة على حرمانهم الأبدي عن الظفر بما أملوا بالكلية ما لا يخفى، وإن اعتبرت المبالغة في نصير متوجهة للنفي كما قيل ذلك في قوله سبحانه: {وَمَا رَبُّكَ بظلام} [فصلت: 46] قوى أمر هذه الدلالة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وعقّب التعجيب بقوله: {أولئك الذين لعنهم الله}.
وموقع اسم الإشارة هنا في نهاية الرشاقة، لأنّ من بلغ مِن وصف حاله هذا المبلغ صار كالمشاهد، فناسب بعد قوله: {ألم تر} أن يشار إلى هذا الفريق المدّعى أنه مرئيّ، فيقال: (أولئك).
وفي اسم الإشارة تنبيه على أنّ المشار إليهم جديرون بما سيذكر من الحكم لأجل ما تقدّم من أحوالهم.
والصلة التي في قوله: {الذين لعنهم الله} ليس معلومًا للمخاطبين اتّصافُ المخبر عنهم بها اتّصاف من اشتهر بها؛ فالمقصود أنّ هؤلاء هم الذين إن سمعتم بقوم لعنهم الله فهم هم.
ويجوز أن يكون المسلمون قد علموا أنّ اليهود ملعونون، فالمقصود من الصلة هو ما عطف عليها بقوله: {ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرًا}.
والموصول على كلا الاحتمالين فيه إيماء إلى تعليل الإخبار الضمني عنهم: بأنّهم لا نصير لهم، لأنّهم لعنهم الله، والذي يلعنه لا نصير له.
وهذا مقابل قوله في شأن المسلمين {والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليًّا وكفى بالله نصيرًا} [النساء: 45]. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من فوائد الشعراوي في الآية:
قال رحمه الله:
{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا}.
وقوله: {أولئك} هي اسم إشارة مكون من {أولاء} التي للجمع، ومن الكاف التي هي لخطاب رسول الله، ونحن- المسلمين- في طي خطابه صلى الله عليه وسلم، {أولئك} هي للذين أوتوا نصيبا من الكتاب ويؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا: هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا، أو {أولئك} لكل من اليهود والمشركين، ولنأخذها إشارة لهم جميعًا، في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} واللعن إما أن يكون الطرد، وإما أن يكون الخزي وإما أن يكون الإهلاك.
وكيف يلحق الله الخزي بالكافرين؟ لأنك تجد المد الإسلامي كل يوم يزداد، وهم تتناقص أرضهم: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الرعد: 41].
{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ}.. إذن فالطارد هو الله، فحين يكون الطارد مساويًا للمطرود، ربما صادف من يعينه، لكن إذا كان الطارد هو الله فلا معين للمطرود، {وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ} أي من يطرده ربنا {فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا}؛ لأن الحق سبحانه وتعالى ما دام قد طرده.. فسبحانه يُدخل في رُوع الناس كلهم أن يتخلوا عنه لأي سبب من الأسباب فلا ينصره أحد {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (53):

قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان التقدير: كذلك كان من إلزامهم الذل والصغار، عطف عليه قوله: {أم} أي ليس {لهم نصيب} أي واحد من الأنصباء {من الملك فإذًا} أي فيتسبب عن ذلك أنهم إذا كان لهم أدنى نصيب منه {لا يؤتون الناس} أي الذين آمنوا {نقيرًا} أي شيئًا من الدنيا ولا الآخرة من هدى ولا من غيره، والنقير: النقرة في ظهر النواة، قيل: غاية في القلة؛ فهو كناية عن العدم، فهو بيان لأنهم لإفراط بخلهم لا يصلحون إلا لما هم فيه من الذل فكيف بدرجة الملك لأن الملك والبخل لا يجتمعان اهـ.

.من أقوال المفسرين:

قال الفخر:
اعلم أنه تعالى وصف اليهود في الآية المتقدمة بالجهل الشديد، وهو اعتقادهم أن عبادة الأوثان أفضل من عبادة الله تعالى، ووصفهم في هذه الآية بالبخل والحسد، فالبخل هو أن لا يدفع لأحد شيئًا مما آتاه الله من النعمة، والحسد هو أن يتمنى أن لا يعطي الله غيره شيئًا من النعم، فالبخل والحسد يشتركان في أن صاحبه يريد منع النعمة من الغير، فأما البخيل فيمنع نعمة نفسه عن الغير، وأما الحاسد فيريد أن يمنع نعمة الله من عبادة، وإنما قدم تلك الآية على هذه الآية لأن النفس الإنسانية لها قوتان: القوة العالمة والقوة العاملة، فكمال القوة العالمة العلم، ونقصانها الجهل، وكمال القوة العاملة: الأخلاق الحميدة، ونقصانها الأخلاق الذميمة، وأشد الأخلاق الذميمة نقصانا البخل والحسد، لأنهما منشآن لعود المضار إلى عباد الله.